في هذا المقال الصادم، تنقل الكاتبة تقوى أحمد الواوي من غزة مشاهد واقعية عن معاناة أهل القطاع تحت وطأة الجوع الذي لم يعد مجرد أزمة غذاء، بل أداة إبادة جماعية منظمة.
تقول الكاتبة إنها لم تتخيل يوماً أن تنطق بعبارة "أنا جائعة"، لكنها ترددها اليوم يوميًا. فقد كانت من الأشخاص الذين لا يهتمون بالطعام، لكنها الآن تعيش على وجبة واحدة في اليوم، إن وُجدت، وأحياناً لا تجد حتى الماء النظيف.
المجاعة في غزة ليست عرضاً طارئًا، بل عقوبة ممنهجة تفرضها الحكومة الإسرائيلية التي تسعى، حسب وصفها، إلى إذلال السكان وتجريدهم من أي قوة أو كرامة، تحت سمع وبصر العالم.
الأسعار نار.. والجوع حرب
في 18 يوليو، بلغت أسعار المواد الغذائية الأساسية في غزة أرقاماً خيالية:
كيلو الدقيق = 200 شيكل (60 دولارًا)
كيلو السكر = 400 شيكل (120 دولارًا)
كيلو المعكرونة = 100 شيكل (30 دولارًا)
كيلو الأرز = 150 شيكل (45 دولارًا)
حتى من يمتلك المال لا يستطيع الشراء، فبعض الباعة يرفضون الأوراق النقدية القديمة أو الممزقة، ويأخذون عمولة تصل إلى 45% على التعامل بها.
الموت جوعاً لا قصفاً
في يوم واحد فقط، 22 يوليو، توفي 15 فلسطينيًا بسبب الجوع، بينهم أربعة أطفال. ومنذ 7 أكتوبر 2023، بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالجوع 101 شخصًا – من بينهم 80 طفلاً، وفقًا لتقارير وزارة الصحة في غزة.
منظمة اليونيسف أعلنت أن أكثر من 6000 طفل أُدخلوا المستشفيات في يونيو بسبب سوء التغذية الحاد، ويواجه 930 ألف طفل خطر الجوع الكارثي، منهم 650 ألف طفل دون سن الخامسة معرضون للموت.
الواقع أقسى من الكلام
تصف الكاتبة كيف أصبح الطهي فعلاً مؤلمًا أكثر من كونه وسيلة بقاء. النار توقد من نفايات وقطع قماش، والدخان يخنق الأنفاس. اليدان ترتجفان وهي تقلب القِدر. الطعام قليل، والطوابير طويلة، والناس تنتظر لساعات في الحر للحصول على مغرفة واحدة من شوربة عدس بلا ملح أو نكهة.
تنقل الكاتبة مشهدًا التقطته صديقتها من النافذة: أطفال ونساء وشيوخ يحتشدون حول أواني ضخمة، يتلقون مغرفة واحدة تُقسم على عشرة أفراد أحياناً. بعض الأطفال يعودون بلا طعام. بعض الأجساد تسقط على الأرض من شدة الجوع.
أين أنتم؟
"أنتم خصومنا أمام الله"، تقول رسالة متداولة في غزة موجهة للعالم العربي والإسلامي، متهمة إياه بالصمت الذي يشجّع على الإبادة. الأطفال في غزة لا يبكون على ألعابهم، بل من الجوع. البعض يموت في نومه بلا ضجيج، لأن الجوع أجهز عليه.
حتى التعليم لم يعد وسيلة للخلاص. الكاتبة، وهي طالبة جامعية، تحاول التركيز في دراستها، لكنها تكتب امتحاناتها على معدة خاوية، في جامعة دمرتها الغارات. عيناها جافتان، وذهنها مشتّت، وجسدها واهن. تصف الامتحان بأنه معركة أخرى في حرب البقاء.
مجاعة مقصودة
تختم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن ما يحدث ليس قضاءً وقدرًا، بل مجزرة جوع ممنهجة: "نحن لا نجوع مصادفة، بل نجوع عن قصد". الجوع يقتل، والعالم يشاهد. الأطفال تنتفخ بطونهم، الأمهات ينهارْنَ، والجدّات يذبُلْن.
غزة لا تحتاج دموعًا، بل أصواتًا. لا تحتاج شفقة، بل كسرًا لهذا الصمت. تقول الكاتبة: "ذلك الطفل مات جائعًا، لكن من يجب أن يموت خجلًا هم قادة العالم".
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-hunger-killing-us-where-is-world-not-forgive-or-forget